تلتزم جميع الشركات على اختلاف نشاطاتها بنشر معلوماتٍ توضّح أداءها المالي على فتراتٍ دوريّة عادة ما تكون سنويّة. تصدُر هذه المعلومات في صورة تقارير ماليّة أو كشوف حسابات موجّهة لمختلف الفئات التي يهمُّها الأمر، سواءً كانت تلك الأطراف بنوكًا أو جهاتٍ حكوميّة، أو شركاء في المؤسسة أو حَمَلة أسهم أو خلافه. تقوم بعض المؤسسات بإصدار تلك المستندات اعتمادًا على بعض أقسامها الداخليّة في حين تلجأ مؤسسات أخرى إلى أطرافٍ خارجيّة للتعهّد بهذه المهمّة، ومن أمثلة هذه الأطراف المحاسبون القانونيّون المعتمدون بصفتهم الشخصيّة أو ممثلين لمكاتب متخصصّة.
تقدّم مكاتب المُحاسبة القانونيّة المعتَمَدة أنواعًا مختلفة من التقييمات الماليّة أبرزها الأنواع الثلاثة التاليّة:
إعداد وتجميع الحسابات Compilations
المراجعة الماليّة Reviews
تدقيق الحسابات Audits
تستعرض هذه المقالة أهمّ المعلومات التي تحتاج لمعرفتها عن ثالث الأنواع: تدقيق الحسابات.
تعريف التدقيق المحاسبي
يشير مصطلح تدقيق الحسابات إلى فحص وتقييم كشوف حسابات مؤسّسة ما، وتختلف أنواع تدقيق الحسابات حسب مدى تغطيتها للتفاصيل المحاسبيّة والأطراف القائمين بها. يشمل التدقيق التأكّد من كون كشوف الحسابات كاملة وصحيحة، ومن التزام الشركة بالمعايير الماليّة والقوانين المحليّة، ومن فعاليّة أنظمة التحكّم واكتشاف الخطأ الداخليّة للشركة (Tests of Control).
أهميّة تدقيق الحسابات
عادة ما يهدف تدقيق الحسابات إلى التأكّد من كون المستندات المُحاسبيّة للشركة تعكس بشفافيّة واقع التعاملات الماليّة والموقف المالي للشركة. في بعض الأحيان أيضًا يكون إجراء تدقيقٍ سنوي للحسابات إلزاميًّا بموجب القانون، أو شرطًا ضروريًا لإتمام بعض التعاملات الماليّة بين الشركة وأطرافٍ أخرى. بجانب كونه إجراءً واجب التنفيذ في حالات معيّنة، يفيد تدقيق الحسابات نشاط الشركة على أصعدة مختلفة منها:
فحص الأرباح والخسائر
يفيد تدقيق الحسابات في تحديد أرباح وخسائر الشركة بوضوح وشفافيّة، كما تفيد المقارنة مع التقارير السابقة في تحديد مدى تأثير تغيير سياسة ماليّة معيّنة على الأرباح والخسائر.
التخطيط المالي والإداري
يساعد التدقيق المالي في اتّخاذ القرارات الماليّة والإداريّة بناءً على أسس واقعيّة، مما يحسّن من تنافسيّة الشركة ونجاحها على المدى الطويل.
التأكّد من الالتزام
يقوم المحاسب القانونيّ بتقييم مدى التزام الشركة وموظفيها بقواعد المحاسبة والقوانين المحليّة. قد يعمل هذه الإجراء كرادع لمنع أي أفعال اختلاس أو سوء توجيه للموارد الماليّة للشركة.
اختبار وتطوير أنظمة التحكّم واكتشاف الخطأ
يساعد التقييم المستمرّ والموضوعي لأنظمة التحكّم واكتشاف الخطأ في الشركة على تطويرها وجعلها أكثر فعاليّة، من خلال توضيح نقاط الضعف التي قد تغيب ملاحظتها عن العاملين في الشركة.
كشف الاختلاس
في حالات الاحتيال أو الاختلاس أو سوء الإدارة يجمع المحاسب القانونيّ الأدلة اللازمة لإثبات الحالة، مما يقلّل من احتمالات إنكار المتورّطين ويسهّل من اتّخاذ الإجراءات اللازمة تجاههم.
تسهيل الحصول على التمويل أو مستحقّات التأمين
يساهم إدراج التقارير الخاضعة لتدقيق الحسابات في تسهيل العديد من التعاملات الماليّة للشركة، مثل حالات التقدّم للحصول على تمويل أو لتحصيل مستحقّات التأمين. يساهم تدقيق الحسابات في زيادة الثّقة في صحّة التقارير المُقدَّمة ودقّة مبلغ التأمين المطلوب، وقد تُحدِّد بعض الجهات المانحة للتمويل تدقيق الحسابات متطلّبًا إجباريًّا في عمليّة تقييم استحقاق الشركة للحصول على التمويل من عدمه.
تسهيل حساب الضرائب
تحدّد بعض الهيئات الحكوميّة تقديم تقارير خاضعة للتدقيق شرطًا من الضروري توافره في المستندات المُقدَّمة، بغرض تسهيل الحساب الدقيق للضرائب المُستحقَّة.
تسهيل تصفية الشركة
في حالات التصفيّة توفّر التقارير الخاضعة لتدقيق الحسابات تقديرًا للقيمة الحقيقيّة لأصول وممتلكات الشركة، ممّا يسهّل من الوصول للمشترين المناسبين والتفاوض معهم.
أنواع عمليات تدقيق الحسابات
تنقسم عمليات تدقيق الحسابات من حيث هيئتها إلى نوعين رئيسييّن:
التدقيق الداخلي
يقوم بالتدقيق الداخلي إمّا مُحاسبٌ قانونيٌّ يكون مُعيّنًا من قبل الشركة وأحدَ موظفيها، أو محاسبٌ قانونيٌّ استشاريّ غير معيّن بشكلٍ دائم. غالبًا ما تتمُّ الاستعانة بمحاسبٍ قانونيّ استشاري في حالات عدم قدرة الشركة على القيام بتدقيق حساباتٍ داخليٍّ كامل اعتمادًا على موظفيها فحسب.
التدقيق الخارجي
يقوم بالتدقيق الخارجي طرفٌ آخر محايد مما يساعد في التخلّص من أي انحيازات خلال عمليّة التدقيق، وعادة ما يتمُّ ذلك من قِبَل مكتب مُحاسبة قانونيّة معتمدة.
الفرق بين التدقيق الداخلي والتدقيق الخارجي
رغم كون المحاسب القانونيّ الاستشاري غير معيّن من قِبَل الشركة، إلّا أنّه يلتزم باستخدام معايير الشركة المُحاسبيّة خلال عمليّة التدقيق الداخلي. خلال التدقيق الخارجي قد يعتمد المدّقق على معايير الشركة أو أنظمة التحكم واكتشاف الخطأ الخاصّة بها إذا ثبتت كفاءتها، إلّا أنّه يختبرها أولًا على أيّ حال للتأكدّ من عدم وجود عيوبٍ هيكليّة فيها.
من ناحيّة أخرى يتميّز التدقيق الخارجي بدرجة حيادٍ أكبر، نتيجة كون القائمين به لا تجمعهم أيّة صلة بالشركة أو القائمين عليها. يزيد هذا من الثقة في التقارير الناتجة، كما يضمن عدم تأثير ناتج عمليّة التدقيق على علاقات العمل بين الموظفين داخل الشركة.
عادة لا يتعدّى التدقيق الداخلي كونه أداة إداريّة يلجأ إليها القائمون على الشركة لاتخاذ قراراتٍ أفضل أو لتحسين الأنظمة الموضوعة، في حين يفيد التدقيق الخارجي على مستوى أوسع فيما يخصّ تعاملات الشركة مع أطرافٍ خارجيّة أخرى، سواء كانت جهات حكوميّة أو شركات أخرى أو خلافهما.
كيف تجري خطوات عمليّة تدقيق الحسابات؟
من المفيد الإحاطة بالكيفيّة التي تجري بها عملية التدقيق بهدف الاستعداد الجيّد لها بالإضافة إلى القدرة على تقييم نتائجها. يمكن تقسيم تدقيق الحسابات إلى ثلاث مراحل أساسيّة تبعًا لترتيبهم:
1- الإعلان عن التدقيق وطلب المستندات
يخطِر المدقّق إدارات الشركة وموظفيها المعنيّين ببدء عمليّة التدقيق ويطلب المستندات اللازمة لإتمام المهمّة. تشمل هذه المستندات النسخ الأصليّة من كشوف حسابات الشركة وتقارير التدقيق السابقة ودفاتر الحسابات والإيصالات. بالإضافة لما سبق، يحتاج المدقّق للإطلاع على اللوائح الداخليّة ومحاضر اجتماعات مجلس الإدارة.
2- التخطيط
تستلزم هذه المرحلة الوصول إلى فهمٍ شامل لتفاصيل عمل المؤسّسة بغرض إعداد خطّة التدقيق ومن ثمّ تطبيقها. توضَع خطة التدقيق المبدئيّة بناءً على المعلومات التي جُمعت في هذه المرحلة.
3- الاجتماع المفتوح
يعقد اجتماعٌ بين المدقّق والإدارات أو الموظفين المعنيّين، وتُعلَن أهداف عمليّة التدقيق ومجالها خلاله. تُناقَش أيضًا خطة التدقيق المبدئيّة ويجري التعديل عليها وفقًا لمخرجات الاجتماع.
4- الفحص
تُعرف هذه المرحلة أيضًا بالعمل الميداني، ويتابع خلالها المدقّق مدى التزام الشركة والعاملين فيها بالمعايير والقوانين كما تُعقد مقابلات شخصيّة مع موظفي الشركة وتُراجَع بياناتهم. في حالة اكتشاف أخطاء يناقش المدقّق الشركة ويمنحها فرصة تصحيحه.
5- إعداد التقرير
يصيغ المدقّق بعد ذلك تقريره الذي يكون شاملًا كل تفاصيل نتائج التدقيق، من حيث ذكره أي فروقات بين المدفوعات و أي أخطاء حسابيّة أو أخطاء في التوثيق أو دواعي قلق لدى المدقّق بشكلٍ عام. يقدّم التقرير أيضًا تعليقات المدقّق وتوصياته لكيفيّة حل المشاكل المُكتشَفة ومقترحاته لتحسين النظام المحاسبي للشركة، علاوةً على تحديد إطارٍ زمني لحلّ المشكلات وتنفيذ المقترحات.
6- التنسيق مع الإدارة المعنيّة
تُرفع نسخة من التقرير المبدئي للإدارة المعنيّة لمراجعتها والإطلّاع على توصيات المدقّق، وتشرع الإدارة في وضع خطة لمعالجة الأخطاء المُكتشفة خلال عمليّة التدقيق وإرسالها للمدقّق. يُعقَد الاجتماع النهائي بعد ذلك بين المدقّق والإدارات المعنيّة لمناقشة تقرير التدقيق وخطّة الإدارة، ويكون هدف الاجتماع اتفاق الطرفين على صحّة الأخطاء وقابليّة الخطّة الموضوعة للتنفيذ تمهيدًا لصياغة التقرير النهائيّة. بعد الاجتماع النهائي يوزّع التقرير النهائي وخطة الإدارة المتفق عليهما على الأقسام المعنيّة.
7- المتابعة
تجري المتابعة بعد مرور ستّة أشهر على صدور التقرير النهائي للتدقيق، ويتأكّد خلالها المدقّق من اتباع الأقسام التي جرى تدقيق عملها من الإجراءات التي نصّت عليها خطة الإدارة.
نصائح لعمليّة تدقيق سَلِسة
قد يكون من المزعج الشعور بكونك تحت الملاحظة أو التقييم وقد يسبّب هذا بعض التوتّر لمسئولي الحسابات أو أصحاب الأعمال، لكنّ عمليّة تدقيق الحسابات بوسعها أن تكون إضافة مفيدة لمشروعك. يساعد التدقيق في تحديد نواحي التطوّر الممكنة في أنظمة الشركة المحاسبيّة على سبيل المثال ويزيد من الثقة في إدارة الشركة. بوسعك أيضًا من خلال بعض الخطوات أن تيسِّر من مهمّة المحاسبين القانونيّين وأن تحظى بعمليّة تدقيق سَلِسة، من ضمن تلك الخطوات ما يلي:
اعتماد ممارسات حسابيّة دقيقة ومُحكمَة، من خلال التأكُّد من تسوية الحسابات بشكل دوري وتوثيق المصروفات بشكل مستمر. من المفيد أيضًا إجراء تدقيق داخلي استعدادًا للتدقيق الخارجي.
اختبار مدى فعاليّة أنظمة التحكّم وكشف الخطأ المستخدَمة في منع الاحتيال أو السرقة.
حفظ الحسابات في أكثر الصور شفافيّة ووضوحًا قدر المُستطاع وجمع وتحضير المستندات المطلوبة وتقديمها للمحاسبين القانونيّين، وإجابة كل ما يطرأ من استفسارات لديهم أولًّا بأول.
أنواع عمليات التدقيق المختلفة
لا تقتصر عمليّات التدقيق على تدقيق الحسابات فحسب، حيث تتشعّب أنواع التدقيق تبعًا لوجه تصنيفها. من حيث حجم التدقيق على سبيل المثال وبالإضافة إلى التدقيق المالي، قد تغطيّ عمليّة التدقيق أحد الأوجه التاليّة:
تدقيق الأهداف:
يهدف إلى تحسين الأداء من خلال فحص مدى تحقيق الشركة لأهدافها المحدَّدة مسبقًا.
تدقيق اجتماعي:
يتمّ بغرض التأكد من مدى أداء الشركة لمسئوليتها المجتمعيّة ومساهمتها في حلِّ مشاكل المجتمع الذي تتواجد فيه وتحقيق الرفاه له.
التدقيق البيئي:
يهدف للتحقّق من توافق عمليّة الإنتاج مع متطلبات البيئة وتقييم المخاطر المتعلّقة بالتلوّث البيئي.
تدقيق الالتزام:
يتمّ خلاله التحقّق من مدى الالتزام بتشريعات الدولة والتعليمات الصادرة عن الجهات المنظمّة لنشاط الشركة، والتزام العاملين بقرارات الإدارات العليا ومجلس الإدارة.
التدقيق الإداري:
يُعنى هذا النوع من التدقيق بالتأكّد من فاعليّة وجود الوظائف المختلفة داخل الشركة ومدى مساهمتها في تحقيق أهداف الشركة، ويكون هدفه النهائي تحقيق أعلى عائد بأقل تكلفة.
قد تُصنَّف عمليات التدقيق أيضًا من حيث نطاقها، وتنقسم في هذه الحالة إلى نوعين:
التدقيق الكامل:
وفيه يُمنح المدقّق إطارًا غير محدّد للعمل بحيث تترك له حريّة تحديد الاختبارات اللازمة للوصول إلى رأي نهائي بخصوص نزاهة القوائم الماليّة للشركة ككل. ينبغي أن يشمل رأي المدقّق النهائي كافة المعاملات الماليّة حتى وإن لم يقم بفحصها كلّها، حيث تقع كلّ المعاملات ضمن نطاق مسئوليّته في هذا النوع من التدقيق.
التدقيق الجزئي:
على عكس التدقيق الكامل، تحدّد الشركة المعيِّنة للمدقّق إطار عمله في التدقيق الجزئي بحيث يقتصر على معاملاتٍ ماليّة محدّدة. لا يكون المدقّق مسئولًا عن أيّة عمليات حسابيّة خارج النطاق المتّفق عليه مع الشركة ولا يشملها رأيه النهائي.
من حيث توقيت التدقيق، يمكن تصنيف عمليات التدقيق إلى نوعين:
تدقيق نهائي: يتمّ بعد إقفال الحسابات أو في نهاية السنة الماليّة.
تدقيق مستمر: يتمّ من خلال خطّة تدقيق شاملة تتضمّن زيارات متعدّدة للشركة خلال السنة الماليّة.
أمّا من حيث درجة الإلزام، قد تقوم الشركة بأحد أو كلا نوعيّ التدقيق التاليّين:
التدقيق الإلزامي: تؤديه الشركة بموجب كونها ملزَمة قانونيًا.
التدقيق الإختياري: تؤديه الشركة حسب رغبة الإدارة واحتياج الشركة.